الجمعة، 1 يونيو 2012

الطفل السوري، بين الإنساني و السياسي و المفروغ منه

سوريا يا سوريا، كيف أصبحتي هكذا؟ سوريا جنة العرب التي أعرفها من صغري، منذ سنيني الأولى. عرفت فسادها و الظلم فيها، و عرفت جمالها و السعادة فيها.

قبل أن أبدأ، أريد أن أشير أن هذا ليس تحليلاً سياسياً شاملاً للوضع في سوريا، فالوضع أعقد من أن يلخص في مقال واحد. فعلياً، هذه مشاركتي المتواضعة ليوم تدوين عالمي دعى له بعض المدونون. و بما أنه كنت متوقفاً عن الكتابة، فهو الأول الذي أشارك فيه لسوريا. و هو أيضاً ما صادف يوم الطفل العالمي، و لسخرية الأقدار المريرة، جاء بعد مجزرة الحولة التي حصدت أرواح عشرات الأطفال بشكل بشع يعبر عن ما آل له حال سوريا بعد ما يجاوز العام من الثورة.

سأتي على الكثير من المواضيع المتعلقة بالوضع السياسي لسوريا بالتفصيل لكل موضوع في الأسابيع القليلة القادمة. أما الأن، فهذه مقدمة تلخص نظرتي، بدون تفاصيل لا يسع المجال لذكرها الأن، للبلد الذي عرفت.


الإنساني

دم. دماء حمراء، مشاعر إهانة لا يمكن نسيانها، مشاهد خوف من شيء حصل و شيء سيحصل. قتل، تعذيب، إذلال، إغتصاب، تشويه، محاولة لإعادة تعريف السادية. لا يهم إن كنت "إنسان مش حيوان"، فلم أقابل حتى حيوانات تستحق ذلك.

أرقام، تكتب أحياناً في جداول، و أحياناً على خرائط، و أحياناً أخرى في "تقارير" لم أعد أعرف ما الهدف منها. و كأن مقتل طفلاً واحداً أكثر من رقم معين سيكون له معناً فارقاً لمن يقرأ هذه التقارير.

فيديوهات، تشاهدها و تنشرها ليراها العالم، و تشعر بالعجز لأن هذا ما تفعله. تؤرقك الكوابيس لأيام من منظر الأطفال المشوهين بوحشية، لا تعرف ما يمكن أن يفعل..


فمن ناحية..


المفروغ منه

أن النظام، و قبل أي شيء أخر، هو المسؤول عن كل شيء. حتى أسوء أخطاء المعارضة، النظام هو من وفر الأرضية لها. أنا حتى لا أتكلم عن الثورة، بل عن ما قبل الثورة. عن نظام حول الأرض الخصبة إلى بور. عن نظام جعل الفساد فضيلة، و غريزة البقاء عادة.

يأتيني شخص و يقص لي إنطباعاته من زيارته الأخيرة لدمشق (قبل الثورة). فأقول له، هل عرفتها قبل أكثر من عقد من الزمان، يجاوبني بلا، فأخبره أن هذه ليست سوريا التي عرفت. لاحظت كيف تغير المجتمع السوري خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة. كيف تعايش جيل، لم يعرف إلا فساد و ظلم هذا النظام،  مع الواقع. كيف بنى النظام شبكة من التحالفات و الأعداء، جعلت سوريا حقلاً لألغام الأحقاد و المصالح. لا يمكنني مهما إنتقدت المعارضة أن أتكلم بغطرسة الأمريكيين عندما يتكلمون عن فلسطين و أقول "كلا الطرفين". المفروغ منه قبل كل شيء، أن النظام أصل هذه الشرور و السبب الرئيسي بإستمرارها.


و لكن..


السياسي

تريد وقتها أن تفعل شيئاً.. تجد المعارضة السورية.

"المعارضة" في سوريا (لسبب ما) أصبحت تطلق على السياسيين المعارضين فقط. لم أفهم كيف أصبحت هكذا التسمية، لكن في ما يخصني، أطلق كلمة معارض على كل من عارض النظام. بدأً بمن يطلق الهتافات بالمظاهرات، لمن يكتب اليافطات، لمن يسمي الجمع، لعباقرة السياسة على الفاسبوك، و حتى كبار الساسة و المثقفين و نجوم الفضائيات.


تخيل معي ذئب يمسك برجل طفل، يشده ليأكله. الذئب شرس، و أنت ليس لديك شيء لتردعه. الأم، من الطرف الأخر، تمسك برقبة الطفل و تشده فتخنقه. إذا قلت للأم أنك ستخنقين طفلك، إمسكيه من كتفه، ستصرخ في وجهك "لماذا لا توقف الذئب؟". 



من قبل بداية الثورة، و الأخطاء من جانب المعارضة تتراكم. بدأً بصفحة الثورة السورية التي وجدت طريقي إليها في خضم أحداث الثورة المصرية، و صولاً للتشكيلات العسكرية و السياسية التي تحظى بدعم غالبية المعارضة. المشكلة أن الأخطاء قاتلة، متزايدة، و محصنة من النقد. حتى من ترى في المعارضة يحمل فكرأ سياسياً يمكن أن يؤدي لما يشبه حل، تجده يتعرض للشتم و التخوين (بل و الضرب في بعض الحالات). تصل لمرحلة لم تعد تأبه لأي بعد سياسي للأزمة (و حتى كلمة أزمة سأنتقد عليها)، فقط تريد أن تجد حلاً إنسانياً حتى لا ترى المزيد من الأرقام الحمراء في الجداول و التقارير. كيف، و الطرف الذي يفترض أنه إلى جانبك من المعركة يتوغل أكثر في حقل ألغام الأحقاد و المصالح.

من يسمع، و من يموت، و إلى مذا تسير الأمور. أسئلة إجاباتها لا تبشر بخير.




تحديث:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شير يا عم الحج