منذ سماعي النتائج الأولية للمرحلة الأولي
للإنتخابات الرئاسية المصري و التي إنتهت بفوز المرشحين شفيق (المرشح الغير رسمي
للمجلس العسكري) و مرسي (مرشح الأخوان) بأعلى نسب من الأصوات، و أنا في حيرة من
أمري في مسألتين، ليس الخيار بين مرسي و شفيق (و هو ما شغل نقاشات الكثيرين في
الأيام القليلة الماضية)، بل هل الأن الوقت الأنسب للحديث عن جولة الإعادة كأن كل
شيء حسم، أم أن تكتيكاً مختلفاً مطلوب في هذه الأيام الفاصلة بين الجولتين.
كنت أريد أن أكتب مقالاً يفاضل بين شفيق و
مرسي، لكن سأسبقه بهذه التدوينة عن ما حصل في الفترة ما قبل جولة الإعادة، و ما
كان يجب أن يحصل.
أنا كبدايةً أنطلق من منطلق ديمقراطي-علماني،
بمعنى أنني لا أرغب في عودة النظام الديكتاتوري القديم الذي ما زالت بقاياه متمثلة
بالعسكر و ممثليهم السياسين (شفيق) و بنفس الوقت أتمنى رؤية مصر دولة مدنية (غير
دينية الطابع) تساوي بين جميع مواطنيها بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الطبقة
الإجتماعية/الإقتصادية.
ما كان يجب أن يحصل كأفضل تكتيك سياسي هو
الأتي:
- توثيق و التركيز الإعلامي على تجاوزات شفيق، و ليس الهجوم الشخصي عليه.
- تصعيد حملات إعلامية لصالح صباحي.
- عدم التركيز على مهاجمة الأخوان، لأن هذا سيعطي إنطباع (لدى العسكر) أن شفيق لديه فرصة، فلا داعي للدخول بخيار صباحي.
- عدم التركيز على مهاجمة شفيق أيضاً لأنه قد يكون، في مرحلة ما، الورقة الوحيدة المتبقية ضد سيطرة (شبه) كاملة للأخوان.
لماذا أعتقد ذلك:
- القرارات السياسية بمصر (برأي) تقاس على مزاج العسكر، و ليس كنظام خالي من الشوائب و الأهواء دقيق النتائج. بمعنى، أنه لو أراد العسكر أن يحتسبوا التزوير الذي حصل من جانب شفيق ليسقطوه و يأتوا بصباحي مكانه، لأستطاعوا. فالأمر متروك للتجاذبات و المصالح السياسية، و يمكن تغييره لو سارت تلك المصالح في صالح حمدين.
- مصالح المجلس العسكري الحاكم قد تعتمد على وجود شخص يمكن أن يسلب كرسي الرئاسة من تحت ناظري الأخوان في الإعادة إن لم تكن التقديرات لصالح شفيق. إن لم يكن من قناعتهم بأن ذلك المرشح سيحقق لهم مصالحهم (شفيق)، فمن باب أن المرشح (صباحي في هذه الحالة) هو الحل الواقعي الوحيد الذي يمكن أن يحرم الأخوان من بناء إحتكار للسلطات يقلق مضاجع العسكر. فصباحي و إن كان معارض للعسكر، فهو سيكون شوكة في حلق الأخوان كذلك تمنعهم من تمرير أي مشروع يريدوه بسهولة. فليس من مصلحة العسكر، كما أرى، أن يتحكم فريق منظم و ذكي (كالأخوان) في كل (أو أغلب) مقاليد الحكم، فهذا يضر بمصالحهم و يقلص من قدراتهم.
- حتى بالنسبة للعلمانيون و الأقليات الذين لا يريدون رؤية مصر تتحول لدولة دينية و لا يمانعون بوصول أحد أفراد النظام القديم إلى سدة الحكم، كان خيار دعم صباحي هو الأسلم بحكم أنه الأوفر حظاً ضد مرسي. فكان على العلمانيون أن لا يستعجلوا إنهاء الموضوع و الزج بشفيق مع مرسي في الإعادة، لأن هذا يعني حظوظاً أكبر لمرسي.
فالعسكر فعلياً أما خياران:
الأول: أن يصبح شفيق الرئيس، و تكون له صلاحيات كبيرة. لتحقيق
هذا قد يلجؤون للتالي:
- تزوير الأصوات لصالحه.
- التعويل على خوف شريحة من المجتمع من تحويل مصر لأفغانستان جديدة بشكل أو بأخر، و خوف البعض من الأخوان.
الثاني: لكن إذا وجدوا تأييد في الشارع لصالح الأخوان ضد شفيق، و
إذا تم التركيز حقوقياً و إعلامياً على تجاوزات شفيق في الإنتخابات، فقد يضرون
للقبول بأفضل السيئين (بالنسبة لهم)، و هو رئيس من خارج الأخوان يفتت قوة الأخوان
و يمنعهم من بسط سيطرتهم على كافة مقاليد الحكم، و هو في هذه الحالة صباحي.
ما حدث للأسف هو الأتي
- تركيز القوى المدنية-الثورية على عمل "صفقات" مع الأخوان، و هذا ما بتنا نسمع تصريحات بخصوصه من قبل الكثير من النشطاء الثوريين. لهذا إيجابياته في جعل العسكر يعيدون النظر في الزج بمرشحهم أما مرسي إن كان هذا هو المقصود منها، لكن على ما يبدوا أن الكثيرين حسموا أمرهم بقوة لصالح مرسي ضد شفيق.
- التركيز في الهجوم على شفيق، و الذي فعلياً قد يكون الخيار الواقعي الوحيد في المرحلة اللاحقة.
التحالف مع الأخوان
إن "الصفقة الوحيدة المقبولة مع الأخوان
هي أن يرفض الأخوان جولة الإعادة حتى يعاد النظر في الطعون التي قدمت ضد شفيق. هذا
فعلياً لن يضرهم إذا أرادوها منافسة نزيهة مع صباحي (الذي سيأتي في جولة الإعادة
ضد مرسي في حال إنسحاب شفيق). فهم غير مطالبون بالتخلي عن مرشحهم لمرشح توافقي أو
حتى تغيير برنامجهم. لكن من غير المتوقع أن يحدث هذا لأن حظوظهم بالفوز أعلى مع
شفيق.
بأي حال من الأحوال، ستبدأ الحملات
الإنتخابية للجولة الثانية غداً الأربعاء (بحسب لجنة الإنتخابات الرئاسية)، و
تنتهي في يوم الجمعة، الخامس عشر من يونيو، و سيتضح خلال الأيام القليلة القادمة أكثر
موقف جميع الأطراف.