الثلاثاء، 29 مايو 2012

في قاعة الإنتظار

منذ سماعي النتائج الأولية للمرحلة الأولي للإنتخابات الرئاسية المصري و التي إنتهت بفوز المرشحين شفيق (المرشح الغير رسمي للمجلس العسكري) و مرسي (مرشح الأخوان) بأعلى نسب من الأصوات، و أنا في حيرة من أمري في مسألتين، ليس الخيار بين مرسي و شفيق (و هو ما شغل نقاشات الكثيرين في الأيام القليلة الماضية)، بل هل الأن الوقت الأنسب للحديث عن جولة الإعادة كأن كل شيء حسم، أم أن تكتيكاً مختلفاً مطلوب في هذه الأيام الفاصلة بين الجولتين.

كنت أريد أن أكتب مقالاً يفاضل بين شفيق و مرسي، لكن سأسبقه بهذه التدوينة عن ما حصل في الفترة ما قبل جولة الإعادة، و ما كان يجب أن يحصل.

أنا كبدايةً أنطلق من منطلق ديمقراطي-علماني، بمعنى أنني لا أرغب في عودة النظام الديكتاتوري القديم الذي ما زالت بقاياه متمثلة بالعسكر و ممثليهم السياسين (شفيق) و بنفس الوقت أتمنى رؤية مصر دولة مدنية (غير دينية الطابع) تساوي بين جميع مواطنيها بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الطبقة الإجتماعية/الإقتصادية.


ما كان يجب أن يحصل كأفضل تكتيك سياسي هو الأتي:

  1. توثيق و التركيز الإعلامي على تجاوزات شفيق، و ليس الهجوم الشخصي عليه.
  2. تصعيد حملات إعلامية لصالح صباحي.
  3. عدم التركيز على مهاجمة الأخوان، لأن هذا سيعطي إنطباع (لدى العسكر) أن شفيق لديه فرصة، فلا داعي للدخول بخيار صباحي.
  4. عدم التركيز على مهاجمة شفيق أيضاً لأنه قد يكون، في مرحلة ما، الورقة الوحيدة المتبقية ضد سيطرة (شبه) كاملة للأخوان.


لماذا أعتقد ذلك:

  1. القرارات السياسية بمصر (برأي) تقاس على مزاج العسكر، و ليس كنظام خالي من الشوائب و الأهواء دقيق النتائج. بمعنى، أنه لو أراد العسكر أن يحتسبوا التزوير الذي حصل من جانب شفيق ليسقطوه و يأتوا بصباحي مكانه، لأستطاعوا. فالأمر متروك للتجاذبات و المصالح السياسية، و يمكن تغييره لو سارت تلك المصالح في صالح حمدين.
  2. مصالح المجلس العسكري الحاكم قد تعتمد على وجود شخص يمكن أن يسلب كرسي الرئاسة من تحت ناظري الأخوان في الإعادة إن لم تكن التقديرات لصالح شفيق. إن لم يكن من قناعتهم بأن ذلك المرشح سيحقق لهم مصالحهم (شفيق)، فمن باب أن المرشح (صباحي في هذه الحالة) هو الحل الواقعي الوحيد الذي يمكن أن يحرم الأخوان من بناء إحتكار للسلطات يقلق مضاجع العسكر. فصباحي و إن كان معارض للعسكر، فهو سيكون شوكة في حلق الأخوان كذلك تمنعهم من تمرير أي مشروع يريدوه بسهولة. فليس من مصلحة العسكر، كما أرى، أن يتحكم فريق منظم و ذكي (كالأخوان) في كل (أو أغلب) مقاليد الحكم، فهذا يضر بمصالحهم و يقلص من قدراتهم.
  3. حتى بالنسبة للعلمانيون و الأقليات الذين لا يريدون رؤية مصر تتحول لدولة دينية و لا يمانعون بوصول أحد أفراد النظام القديم إلى سدة الحكم، كان خيار دعم صباحي هو الأسلم بحكم أنه الأوفر حظاً ضد مرسي. فكان على العلمانيون أن لا يستعجلوا إنهاء الموضوع و الزج بشفيق مع مرسي في الإعادة، لأن هذا يعني حظوظاً أكبر لمرسي.


فالعسكر فعلياً أما خياران:

الأول: أن يصبح شفيق الرئيس، و تكون له صلاحيات كبيرة. لتحقيق هذا قد يلجؤون للتالي:
  1.  تزوير الأصوات لصالحه.
  2. التعويل على خوف شريحة من المجتمع من تحويل مصر لأفغانستان جديدة بشكل أو بأخر، و خوف البعض من الأخوان.

الثاني: لكن إذا وجدوا تأييد في الشارع لصالح الأخوان ضد شفيق، و إذا تم التركيز حقوقياً و إعلامياً على تجاوزات شفيق في الإنتخابات، فقد يضرون للقبول بأفضل السيئين (بالنسبة لهم)، و هو رئيس من خارج الأخوان يفتت قوة الأخوان و يمنعهم من بسط سيطرتهم على كافة مقاليد الحكم، و هو في هذه الحالة صباحي.


ما حدث للأسف هو الأتي

  1. تركيز القوى المدنية-الثورية على عمل "صفقات" مع الأخوان، و هذا ما بتنا نسمع تصريحات بخصوصه من قبل الكثير من النشطاء الثوريين. لهذا إيجابياته في جعل العسكر يعيدون النظر في الزج بمرشحهم أما مرسي إن كان هذا هو المقصود منها، لكن على ما يبدوا أن الكثيرين حسموا أمرهم بقوة لصالح مرسي ضد شفيق.
  2. التركيز في الهجوم على شفيق، و الذي فعلياً قد يكون الخيار الواقعي الوحيد في المرحلة اللاحقة.


التحالف مع الأخوان

إن "الصفقة الوحيدة المقبولة مع الأخوان هي أن يرفض الأخوان جولة الإعادة حتى يعاد النظر في الطعون التي قدمت ضد شفيق. هذا فعلياً لن يضرهم إذا أرادوها منافسة نزيهة مع صباحي (الذي سيأتي في جولة الإعادة ضد مرسي في حال إنسحاب شفيق). فهم غير مطالبون بالتخلي عن مرشحهم لمرشح توافقي أو حتى تغيير برنامجهم. لكن من غير المتوقع أن يحدث هذا لأن حظوظهم بالفوز أعلى مع شفيق.


بأي حال من الأحوال، ستبدأ الحملات الإنتخابية للجولة الثانية غداً الأربعاء (بحسب لجنة الإنتخابات الرئاسية)، و تنتهي في يوم الجمعة، الخامس عشر من يونيو، و سيتضح خلال الأيام القليلة القادمة أكثر موقف جميع الأطراف. 

الخميس، 24 مايو 2012

عن إنتخابات الرئاسة المصرية


ملاحظة قبل كل شيء: كنت أنوي العودة للكتابة في شهر يونيو، لكن أرتئيت أن أكتب عن موضوع إنتخابات الرئاسة المصرية و لو على عجل. أرجو المعذرة إن كان أسلوب الكتابة دون المستوى، فهو أقرب إلى عرض لأفكار حول موضوع معين أكثر منهم مقال.

قد يبدوا أن هذا المقال كتب في الوقت الضائع، و لكني إرتئيت نشره بكل الأحوال، لأن مسألة التفضيل بين المرشحين ستستمر بالمرحلة الثانية للإنتخابات.



أولاً و قبل كل شيء، سأفترض هذه الإفتراضات:

سأفترض أنك لست من المنتسبين لجماعة الأخوان المسلمين أو حزبهم، و أنا فوز مرسي ليس مهم لك أكثر من أي شيء أخر.

سأفترض أنك لست من المنتفعين بشكل شخصي و مباشر بفوز أحد المرشحين، و أن مستقبل أفضل لمصر هو ما يحرك دوافعك الإنتخابية.

رغم أني علماني، فلن أفترض أنك كذلك. لكن على الأقل سأفترض أنك لست من المتحمسين جداً لفكرة الدولة الدينية حتى لو كانت المصلحة العامة غير ذلك. و هناك فعلياً شريحة كبيرة من الناس لا تريد دولة دينية بكافة تفاصيلها، أو على الأقل مستعدة للمساومة على هذه التفاصيل بحجة أن المجتمع غير جاهز لها أو لأي أسباب أخرى.

كذلك سأفترض أنك تنظر للإنتخابات كحل عملي لمشاكل واقعية، و ليست "فاشن ستاتمنت" تعبر فيها عن تأيدك لمرشح حتى لو لم يكن له أدنى فرصة للفوز أو تعبيراً عن رفض أخرين. لذلك لن أتطرق إلا للمرشحين الخمس الأوفر حظاً حسب مختلف إستطلاعات الرأي.

بعد أن حددنا هذه الإفتراضات، سأقول لك كيف أصنف المرشحين الحاليين (برأيي) من الأفضل للأسوء، و أشرح لاحقاً لماذا:

حمدين صباحي
عمرو موسى
عبد المنعم أبو الفتوح
أحمد شفيق
محمد مرسي

هناك ثلاث أسباب توضح لماذا هذا التصنيف:

أولاً: ليس كل الفلول مثل بعض. ختم أن هذا الشخص "فلول" (أي عمل مع النظام السابق) هي فكرة عامة و غير دقيقة للتصنيف السياسي. فمثلاُ، عمرو موسي كان وزير خارجية النظام السابق، و كان (وربما ما زال لحد معين) ميالاً لذلك النظام. لكن فكرة مساواته مع شفيق الذي كان رئيس وزراء مقرب من النظام أيام بدء (ما يسمى) الثورة المضادة هي مقارنة غير دقيقة.

ثانياً: نظام الحكم غير واضح حتى الأن. لكن بأي حال من الأحوال، فإن إستحواذ جماعة معينة (و هنا أقصد الأخوان) على جميع (أو أغلب) مقاليد الحكم هو أمر خطر، حتى على أولائك ممن يميلون لفكرة الدولة الإسلامية. أضف إلى ذلك تصرفات الجماعة الغير أخلاقية من نكث بالوعود و الرشاوي الإنتخابية، تزيد خطر تحكم هذه الجماعة على كل شيء (تقريباً، لأن التأثير العسكري على أمور الحكم من المتوقع أن يستمر) هو بحد ذاته مؤشر خطر يجب الحذر منه.

ثالثاً: حتى لو لم تكن علمانياً من ناحية فكرية (و هنا أقصد المتحمسين لفكرة العلمانية كحل أساسي لمشاكل مصر لا يمكن الإستغناء عنه)، فإنه حتى لا يتحكم تيار واحد بالدولة و يكون هناك مجال للمسائلة المتبادلة بين التيارات السياسية، فأنه من الأفضل في هذه الفترة التأسيسية في حياة مصر الحديثة أن يكون طرفي الحكم من إتجاهات فكرية مختلفة. و إذا إعتبرنا أن الطرف الثالث (العسكر) يحسب من الفلول، و المجلس محسوب على الإسلاميين، فإنه حتى يتم تحقيق تقدم و نوع من الشفافية السياسية يجب أن يكون طرف الرئاسة لطرف علماني (أو ليس من أنصار الدولة الإسلامية الكاملة على الأقل – من أنصار إختراع "دولة مدنية بمرجعية دينية") ثوري (ليس من مؤيدي النظام السابق).


حمدين-أبو الفتوح

هنا يبرز السؤال، لماذا وضعت عمرو موسى قبل أبو الفتوح؟ سأجيب عن ذلك بثلاث نقاط:

أولاً: رغم رفضي لإختراع "دولة مدنية بمرجعية دينية"، إلا أنني أتفهم ما يعنيه البعض بها. فهم لا يريدون دولة علمانية خالصة، و لا دولة إسلامية خالصة. لكن رغم ذلك، لا أرى في أبو الفتوح ممثلاً لهذا الإتجاه. سواءاً بتصريحات له عن تطبيق الشريعة، أو بتأييد جماعة "بما لا يخالف شرع الله" له، و الذي لا أظن أنهم سيأيدون شخص بدون ضمانات شبيهة. و أعتبر تصريحاته عن الدولة المدنية و التقرب من الليبراليين نوع من تكتيك "النفاق الحلال" الذي عرف به أخوان مصر.

ثانياً: حتى لو فرضنا أن أبو الفتوح ليس مرشحاً إسلامياً، لا يمكن النظر لإنتخابات الرئاسة بمعزل عن الأمور الأخرى. ففكرة مرشح توافقي (الصفة التي يطلقها البعض على أبو الفتوح) لا تأخذ بعين الحسبان أن الحكم جزء منه بأيدي الإسلاميين في هذه اللحظة. في هذه الحالة، فأن الحكم سيكون أقرب للتوافق إذا أنتخب لأحد أركانه (الرئاسة) علمانياً، و ليس "توافقياً".

ثالثاً: بعيداً عن شعارات واحد مننا و أثنين عليهم و سنحيا كراماً و ما لذلك من شعارات لا تسمن و لا تغني من جوع، فأنه حتى لو كان كلا المرشحين علمانيين، فإن حمدين لديه فكرة أوضح للإصلاح الإقتصادي من أبو الفتوح مما سمعته من كلام المرشحين. بل من بين المرشحين المذكورين أجمعهم، هو الوحيد الذي سمعت لشيء له أشبه بخطة تطوير. لا أعتقد أنه الأفضل من بين مرشحي الرئاسة، لكنه الأفضل من بين الخمسة الأوفر حظاً.


حمدين-فلول

و قد تكون هذه المقارنة موجهة للأقباط بشكل خاص حيث يظهر ميول للتصويت لشفيق، و لهذا ثلاث ملاحظات:

أولاً: أن النظام الذي كان يفجر الكنائس ليزيد الخوف بين أفراد المجتمع ليحكم سيطرته عن طريق توفير الحماية لبعض أفراد المجتمع هو نفسه النظام الذي أنتج شفيق. و لذلك وضعت شفيق كأسوء خيار بعد مرسي. و لو لم يكن هناك سيطرة أخوانية على المجلس، لكان مرسي خياراً أفضل من شفيق.

ثانياً: إن التصويت لشفيق و جعل المنافسة النهائية بينه و بين الإسلاميين سيزيد بحظوظ فوز الإسلاميين. لذلك أعتبر أن التصويت الأئمن للأقباط هو حمدين صباحي.

ثالثاً: مغالطة حزم العسكر و تراخي العلمانيين-الثوريين. فرغم تراخي العلمانييون-الثوريون (صباحي كمثال) مع الإسلاميين مقابل حزمهم مع الفلول، و هو ما يمكن أن يعطي الأقباط مبرراً للقلقل، فأن العسكر فعلياً موجودين بغض النظر عن من تولى الرئاسة. و وجود شخص مثل صباحي في هذا الموقع قد يعطي توازن للأمور ما بين العسكر و الإسلاميين، و حتى و إن لم يكن له صلاحيات كبيرة، لكنه سيكون أفضل الحلول في الوضع الحالي.


مرة أخرى، هذا أول مقال/تدوينة لي منذ فترة، و قد كتبت على عجل. فأعذوروني إن لم تكن ترقى للمستوى.



تحديث:
المقال نشر في الحوار المتمدن.

شير يا عم الحج